GuidePedia

تعد القوانين و النظم الاجتماعية و السياسية من اولى معايير و مقاييس الرقي و التقدم الحضاري لاية دولة او كيان سياسي فالقانون : هو مجموعة من 



القيود التي تفرضها الجماعة على نفسها عن طريق المشرع لتنظيم مختلف مجالات حياتها و على جميع الصعد سواء كانت سياسية ام اجتماعية ام اقتصادية  الى جانب تنظيم علاقات بعضهم  بالاخر ، و كذلك علاقاتهم بالدولة و علاقات الدولة نفسها بالدول الاخرى .. 

و نتيجة لذلك فان القانون كان عنواناً لتطور أي دولة وتبوئها مكانة بين الدول لذلك فقد كان من اولى اهتمام فقهاء القانون هو البحث عن تلك الدول التي كانت سباقة في وضع الشرائع التي ارتضت جماعتها تطبيقها على نفسها لتنظيم علاقاتها المختلفة لدراسة ما جاءت به تلك الشرائع لانها من اهم مصادر القانون الحديث و من اهم مصادر الهام المشرعين في تشريع القوانين الوضعية لضمان تطبيقها على الجماعة و ضمان طاعة و احترام تلك الجماعات للقواعد القانونية التي يضعها المشرع و من اهم تلك الشرائع و اولها هو قانون ( اورنمو ) الذي كان اسبق في الظهور من قانون حمورابي بنحو ثلاثة قرون ، و يعد و حسب رأي اغلب علماء تاريخ القانون اقدم قانون في العالم مكتشف لغاية تاريخنا هذا .  وهذا القانون تم تدوينه على الواح طينية تم العثور على قسم منها في مدينة ( نفر)  والقسم الاخر من تلك الالواح عثر عليه في مدينة ( اور)،  واورنمو هذا هو احد ملوك اور و مؤسس اسرة اور الثالثة او ما يسميه المؤرخون ( عصر الانبعاث السومري ) و قد دام حكمه سبعة عشر عاما أي ما بين عامي    (  2112 الى 2095 ق . م )   . و قد كان اورنمو معروفا بعلاقاته الطيبة مع جيرانه اذ لم يعرف عنه انه شن أي حرب على اي منهم و يبدو انه كان ضليعا بالطرق الدبلوماسية في تسيير شؤون مملكته الخارجية  فهو كان يسعى لتأسيس دولة مدنية تقوم على اساس من التنظيم القانوني و السياسي لذلك قام بتشريع قانونه الشهير الذي يعرف " بشريعة اورنمو"  او "  اصلاحات اورنمو " التي اتسمت بتسامحها و ابتعادها عن العنف و القسوة و تلطيف العقوبات التي هي في غالبها كانت  تعتمد على التعويض و ليس القصاص و خصوصا بالنسبة لجرائم الجروح غير المفضية الى الموت ، كما انه شرع قوانين خاصة بالتجارة و الاقتصاد و خصوصا قانون توحيد المكاييل و الاوزان سعيا منه لعدم تعرض المواطنين الى الاستغلال و الغبن في المعاملات التجارية. و قد ابتدأ قانون اورنمو بمقدمة تصف كيف تسلم هذا الملك مقاليد الحكم حيث تحكي الديباجة  بانه تولى الحكم بتفويض الهي تم من خلاله اختيار اورنمو ليمثل الاله في الارض و يحكم باسمه بناء على نظرية التفويض الالهي حيث خوله الاله اقامة العدل و القضاء على الفساد و السرقة التي كانت تقع على الحقول و التجارة و المواشي و قد استطاع اورنمو بموجب شريعته تحقيق العدل المنشود و الحرية المبتغاة في بلاد سومر. وتتألف شريعة اورنمو من ( 31 ) مادة عالجت بمجملها مسائل الاحوال الشخصية و كذلك خصصت بعض المواد لمعالجة الجانب الاقتصادي و وضع العقوبات لجرائم معينة و كان من ضمن المواد التي تمكن الباحثين من قراءتها - اذ ان بعضاً من تلك الالواح الطينية كانت متآكلة و ممسوحة بفعل العوامل الطبيعية و المناخية  - هي المادة (  4 الى المادة  12  ) التي كانت تتولى معالجة مسائل الاحوال الشخصية كالخطوبة والزواج والطلاق  الى جانب جرائم الزوجية المتمثلة بالخيانة حيث تنص المادة ( 4 ) على انه :  ( يحق للزوج ان يقتل زوجته الزانية و الابقاء على حياة الرجل الذي ارتكب معها الزنا) و تنص المادة الخامسة على عقوبة جريمة اغتصاب امه وهي التعويض الذي يؤديه المعتدي الى مالك الامة و التي تساوي ( خمس شيقلات من الفضة ) ، اما المادة السادسة فتنص على ان عدول الاب عن تزويج ابنته الى خطيبها و قيامه بتزويجها الى شخص اخر يستوجب ان يقوم الاب بدفع تعويض يقدر بضعف ما قام الخطيب بتقديمه الى ابنته من هدايا و اموال . اما المادتان الثالثة عشر و الرابعة عشر فتناولتا مسألة هروب الرقيق ،  و عالجت المادة (23 ) حالات ايذاء الاشخاص الاعتياديين ( الاحرار ) او الرقيق و حالات اعتداء الرقيق على اسيادهم ، كما ان المادتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين تناولتا موضوع شهادة الزور حيث نص على انه :  ( يعاقب بغرامة قدرها خمسة عشر شيقلا من الفضة كل من ادلى بشهادة زور ) و في حالة رفض الشاهد تأدية اليمين على شهادته فانه يلتزم بدفع غرامة تعادل قيمة الحق المتنازع عليه . اما بقية المواد القانونية فقد تناولت الجرائم التي تقع على الاراضي الزراعية و المحاصيل الزراعية  و بعض الامور الاخرى المتعلقة بالزراعة . اما من ناحية التنظيم السياسي للمدن فقد عقد الملك اورنمو معاهدات لإعادة ترسيم الحدود بين تلك المدن و الاقاليم و قام بتوزيع الاختصاصات و السلطات للحكام المحليين و حكام المدن و الاقاليم الاخرى و تحديد مسؤولياتهم الادارية و كذلك عقد معاهدات تتعلق بتنظيم مصادر المياه و الاراضي. و من ناحية اخرى فقد قام الملك اورنمو بتشريع قوانين تنظم العلاقة بين افراد المجتمع وبين المعبد و القصر الملكي الى جانب تحديد سلطات الكهنة و موظفي الدولة لمنعهم من استغلال مناصبهم الوظيفية لتحقيق منافع شخصية  او الاثراء على حساب المواطنين ،  لقد كانت شريعة اورنمو شريعة متكاملة تناولت بالتنظيم جميع مفاصل الدولة على اسس رصينة لذلك كانت قد ظهرت كدولة قوية تقوم على اساس دستوري و قانوني و تنظيمي و استحق الملك اورنمو بجدارة ان يلقب بملك الجهات الاربع نتيجة اقامة حكمه على اساس العدل و الانصاف . 

عن جريدة التاخي
 
Top